كي لا ننسى في ذمة التاريخ

   عندما بدأت هذه الزاوية تظهر على "قفا" النهار، لم نفكّر بأنها كانت ستعلّق على "قفا" أحد، بل أخذناها عنواناً تنطلق منه نكتة تتطرّق الى بعض الشوائب التي نشكو منها في أوساطنا، وتصويراً لمشـاهدات مثيرة، أو شاذة، أو مفرحة.
   ولم نفكّر يوماً بأن "قفا" النهار سيزاحم وجهها وصدرها. كما لم يدر بخلدنا على الاطلاق بأن "كي لا ننسى" ستدخل التاريخ بعد سبع سنوات وخمسة أشهر من ظهور هذه الزاوية في الاسبوع الأول من عام 1981.
   منذ عدّة أشهر استلمت "النهار" موضوعاً للمشاركة في مسابقة عيد المئتين الذي تبنته الصحيفة، وأعلنت عنه، ويدور الموضوع كما فهمت من عنوانه حول زاوية "كي لا ننسى".. هذا في الوقت الذي كان فيه شاعرنا العزيز شربل بعيني يعد العدّة لنشر مختارات من "كي لا ننسى"، ونحرص على عدم ذكر اسم المشترك بالمسابقة قبل أن تنتهي اللجنة من تقييمها.
   يبدو أن القارىء الحقيقي لا تهمه السياسة، بل يهمّه الاطلاع على الخبر أولاً، ثم ينتقل الى القضايا المتعلقة بشؤون الحياة والاتصالات بين أفراد المجتمع، وهذا ما حمل عزيزنا شربل بعيني ان يهتم بإصدار كتاب خاص عن "كي لا ننسى" يتوّجه بمقدمة فيها ما حوى صدره من محبة واخلاص وتهذيب الى درجة يعتبر فيها "الزائد أخ الناقص".
   وشربل بعيني يزيدها دائماً: اذا نظم شعراً يمطرنا بالقصائد، واذا نشر يشغل أجواء الأدب بكتبه، ويراشق أربع خمس صحف بانتاج قريحته، واذا ألقى شعراً وراء المذياع أو ضحك تظن أن قمة "ضهر القضيب" تتداعى، وإذا أحب غمر أصدقاءه.
   والذي نحمد الله عليه، هو أن شربل لم يتعرّف بعد على الحقد، والشر، واطلاق السهام، ليبرع في هذه المجالات ويحلّق كما حلّق في مجالات الفضائل.
   المهم في الموضوع، هو ان ساحتنا تضم مجموعة تقدّر الكلمة، والجهود الأدبية، وتشجّع المحاولات، وهذا ما يقوّي العزائم، ويبعث على النخوة لاعطاء المزيد.
   واعترف انني لم افكر طيلة خمس سنوات بزاوية "كي لا ننسى"، ولم أعتبرها قيمة أدبية حتى بدأ القراء، وخاصة المثقفون منهم، بإعطائها أهمية خاصة، وبدأ البعض يطلبون جمعها، ونشرها بكتاب خاص.
   وقد يكون شربل بعيني الذي هدر "فلوسه" على "كي لا ننسى" أمدّني بتجربة مجانية، اذا نجحت تجربته ولاقى الكتاب ترحيباً واهتماماً، سنعيد الكرة، ونقدم بعد فترة مجموعة جديدة أكبر من الأولى، وعلى حسابنا.
   واذا وجدنا ان التجربة فاشلة، وقوبلت بالبرودة، وعدم الاهتمام، نهمل الموضوع، حتى يمنّ الله علينا بشربل آخر ينقل "كي لا ننسى" من "قفا" النهار الى واجهة التاريخ.
   يبقى ان نعود الى الجد، ونقدّر تضحيات شربل الأدبية والمادية، واهتمامه بدفع الأدب الى الامام، حتى ولو كان ذلك على حسابه الخاص.
النهار، العدد 592، 26 ايار 1988
**