فقأن حصرمة بعين شربل بعيني

   تمنينا منذ عدة أسابيع لو تتحرّك السيدات والفتيات في لبنان ويخترقن الحواجز المزوّة التي تقسم البيت اللبناني في بيروت وسائر انحاء لبنان، على غرار ما قامت به نساء قبرص باقتحامهن حدود التقسيم في نيقوسيا العاصمة، وتحديهن لبنادق الجيش التركي وقوّات الأمم المتحدة وغيرها.
   ولكن صديقنا الشاعر شربل بعيني ضحك من مقترحنا وقال في "ستوبّه" الاسبوعي في الزميلة "صدى لبنان" ان نساء بلادنا مرفهات، مدلعات، مائعات، لن يقدمن على عمل كهذا، وربما يرسلن خادماتهن السريلانكيّات للإنابة عنهن باقتحام قصر بعبدا من أجل اشعال "ثورة جياع" تقهر التقسيم وتهدم الحواجز.
   يبدو ان الاتصالات السلكية واللاسلكية اشتغلت بحرارة بين سيدني وبيروت، وتبلّغت السيدة لور جوزف مغيزل زعيمة "حركة لبنان الحب" ما ألحقه شربل بعيني ببنات جنسها من إهانات وسخرية، فأسرعت الى الانتقام العملي والتنفيذي.
   لم تكتب المحامية الأديبة لور رداً على اهانات وسخريات شربل، بل دعت سكان بيروت الاسبوع الماضي الى التظاهر بمسيرة ضخمة تنتهي قرب ممر المتحف الذي يمثّل الخنجر المغروز في قلب بيروت، ورفع الصوت عالياً ضد تقسيم العاصمة والوطن.
   وجه النداء الى الجميع، الى الرجال والنساء والاطفال والشيوخ، ولبّى الكثيرون الدعوة، ولكن الاكثرية الساحقة كانت من النساء والفتيات من قطاعي بيروت، التقوا قرب الممر الفاصل، وتبادلوا القبلات والعناق، وذرفت الدموع من القهر، الذي فرضه الواقع المأساوي الذي أدى الى شبه مجاعة شاملة.
   هكذا تحرّكت سيداتنا وفتياتنا، وفقأن حصرمة بعين شاعرنا شربل بعيني، الذي بات مضطراً الى اعادة تقييم شاملة لنساء لبنان، وتقديم اعتذار علني من الوالدة "أم انطوان" ومن جميع النساء اللواتي فضّل عليهن السريلانكيات.
   ولن يقدر شربل أن يتهرّب من هذه الفضيحة، لأن أجهزة التلفزيون والصحف والوكالات العالمية نقلت أنباء وصور التظاهرة، وليس عليه أكثر من أن يراجع صحيفة "سيدني مورننغ هيرالد" تاريخ السبت 22/8/1987، ليشاهد الصورة وتبادل القبلات والدموع تعبيراً عن التقسيم القسري.
   علمنا ان الميليشيات وبعض القوى الاخرى هددت باطلاق النار على المسيرة الغاضبة، وحاولوا منعها، ولكن السيدة مغيزل تحدتهم، وسارت في المقدمة، وهي سيدة في العقد السادس من عمرها.
   لقد أقامت نساؤنا عدة تظاهرات سابقة، وطالبن بإنهاء الحرب، وتوحيد العاصمة والوطن، ولكن مسيرة الاسبوع الماضي كانت معبرة عن ارادة كل مواطن لبناني، وكل صاحب ضمير وطني، ولم يجرؤ حامل المدفع والرشاش على مجابهة الفتاة حاملة الزهر والقبلات والدموع باسم شعبها المقيم والمغترب.
   بورك لبنان الحب..
وبوركت 
نساء 
بلادي.
النهار، العدد 554، 27 آب 1987
**